سورة الفرقان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله عز وجل: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أي: عن الغمام، الباء وعن يتعاقبان، كما يقال: رميت عن القوس وبالقوس، وتشقق بمعنى تتشقق، أدغموا إحدى التاءين، وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة بتخفيف الشين هاهنا، وفي سورة ق بحذف إحدى التاءين، وقرأ الآخرون بالتشديد، أي: تتشق بالغمام، وهو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم. {وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا} قرأ ابن كثير: و{نُنزلُ} بنونين خفيف ورفع اللام، {الملائكةَ} نصب، قال ابن عباس: تشقق السماء الدنيا فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس، ثم تشقق السماء الثانية فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في السماء الدنيا، ومن الجن والإنس، ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها، ثم ينزل الكروبيون ثم حملة العرش. {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} أي: الملك الذي هو الملك الحق حقًا ملك الرحمن يوم القيامة. قال ابن عباس: يريد أن يوم القيامة لا ملك يقضى غيره. {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} شديدًا، فهذا الخطاب يدل على أنه لا يكون على المؤمن عسيرا، وجاء في الحديث: «أنه يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلوها في الدنيا» {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} أراد بالظالم عقبة بن أبي معيط، وذلك أن عقبة كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعامًا فدعا إليه أشراف قومه، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعامًا فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه، وكان عقبة صديقًا لأبَيِّ بن خلف، فلما أخبر أبي بن خلف قال له: يا عقبة صبأت؟ قال: لا والله ما صبأت، ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييتُ أن يخرج من بيتي ولم يطعم، فشهدت له فطعم، فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك أبدًا إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة، فقال عليه السلام: «لا ألقاك خارجًا من مكة إلا علوتُ رأسك بالسيف» فقتل عقبة يوم بدر صبرًا. وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده.
وقال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه فاحترق خداه، وكان أثر ذلك فيه حتى الموت. وقال الشعبي كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية بن خلف فأسلم عقبة، فقال أمية: وجهي من وجهك حرام أن بايعت محمدًا، فكفر وارتدَّ، فأنزل الله عز وجل: {ويوم يعض الظالم} يعني: عقبة بن أبي معيط بن عبد شمس بن مناف {على يديه} ندمًا وأسفًا على ما فرط في جنب الله، وأوبق نفسه بالمعصية والكفر بالله بطاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه. قال عطاء: يأكل يديه حتى تبلغ مرفقيه ثم تنبتان، ثم يأكل هكذا، كلما نبتت يده أكلها تحسرا على ما فعل. {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ} في الدنيا، {مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا} ليتني اتبعت محمدا صلى الله عليه وسلم، واتخذت معه سبيلا إلى الهدى. قرأ أبو عمرو: {يَا ليتني اتخذت} بفتح الياء، والآخرون بإسكانها.


{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا} يعني: أبي بن خلف. {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ} عن الإيمان والقرآن، {بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} يعني: الذكر مع الرسول، {وَكَانَ الشَّيْطَانُ} وهو كل متمرد عات من الإنس والجن، وكل من صد عن سبيل الله فهو شيطان. {لِلإنْسَانِ خَذُولا} أي: تاركًا يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب، وحكم هذه الآية عام في حق كل متحابين اجتمعا على معصية الله.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن العلاء، أخبرنا أبو أسامة، عن يزيد، عن أبي بردة، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ الجليسِ الصالح والسوءِ، كحامِلْ المسك ونافخِ الكِير، فحاملُ المسك إمَّا أن يُحْذِيَك وإمَّا أن تبتاع منه، وإمَّا أن تجدَ منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أن تجد منه ريحًا خبيثة».
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن حياة بن شريح، أخبرني سالم بن غيلان أن الوليد بن قيس التُّجيبي أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري- قال سالم: أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي». أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن كساب النيسابوري، أخبرنا أبو العباس الأصم، حدثنا حميد بن عياش الرملي، أخبرنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا زهير بن محمد الخراساني، حدثنا موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرءُ على دين خليلهِ فلينظْر أحدُكم من يُخَالِلُ».


{وَقَالَ الرَّسُولُ} يعني: ويقول الرسول في ذلك اليوم: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} أي: متروكًا فأعرضوا عنه، ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه. وقيل: جعلوه بمنزلة الهجر وهو الهذيان، والقوي السيء، فزعموا أنه شعر وسحر، وهو قول النخعي ومجاهد.
وقيل: قال الرسول يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم يشكوا قومه إلى الله يا رب: إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا فعزَّاه الله تعالى فقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8